لا جديد في رمضان ، هكذا تحول او حولناه ويبدو أن الامر سيستغرق زمنا طويلا لفك الارتباط بين رمضان كشهر صيام وارتقاء انساني ورمضان الذي صار شهر مسلسلات ومزيدا من تكديس الطعام !
نحن جميعا في الخليج كما في بلدان شمال افريقيا واليمن وموريتانيا ، جميعنا نعيش مسلسلاً كئيباً ومرعباً ، نتابعه منذ خمسة أعوام يتطور ويتسارع ثم يتباطأ ليعود فينتعش ، ليس الى الاحسن ابدا بل الى الأسوأ دائما ، لا أبطال واضحين لهذا المسلسل ولا نهاية محتملة تلوح في الأفق، لكنه مستمر، ونحن كجمهور عربي نتابعه انفجارا تلو اخر وقتيلا بعد اخر وخرابا اثر خراب ، مسلسل مدمر للأعصاب وقد طال أكثر مما ينبغي له ولذلك فنحن لا نحتاج إلى مزيدٍ من الكآبة والبؤس تضخها في أدمغتنا ونفسياتنا هذه المسلسلات المشحونة بالكآبة والحزن والمغالطات والتفاهات والاستعراضات التي تتبارى القنوات الفضائية في عرضها هذه الأيام إلى درجة أن البعض منا صار يصرخ : حرام عليكم يكفينا ما نحن فيه!
المسلسلات العربية في معظمها ضعيفة ودون المستوى ،وكأننا كجمهور لا نستحق اكثر من هذا الغثاء ( الجيد نادر جدا) أما بالنسبة للدراما الخليجية فاننا نشعر امام كثير منها وكأننا قد رأينا هذا المسلسل أو ذاك سابقاً، الحكاية نفسها، الإخوة الذين يسرقون نصيب أخيهم أو الأبناء الذين يرمون أمهم بعد تضحياتها الجسيمة ، حكاية الظلم والغدر والقسوة اللامعقولة اصبحت ثيمة خليجية ملازمة ، هذه هي الحبكة أو العقدة التي تصاحبها موسيقى كئيبة زيادة في إجبار المشاهد على التعاطف مع الضحية والتعلق بالقصة ومتابعتها، المشكلة أن بعض المشاهدين يعيشون الدور فعلاً ويتعاطفون مع البطل أو البطلة غالباً ويقلبون حياتهم إلى نكدٍ حقيقي! في مقابل اعمال اخرى اراد منتجوها ان يقدموا للمشاهد وجبة من الفكاهة والتسلية فخانتهم الحرفية والمهنية فقدموا لنا عبثا وتفاهة لا اكثر ، وطبعا يبقى هناك عمل او عملان جيدان بلا شك !
أعجبني مقدم برامج مصري قال لمتابعيه في أولى حلقات برنامجه في شهر رمضان: يا جماعة على مدمني مواقع التواصل أن يكفوا عن التعبير المبالغ بالحالة الروحانية المفاجئة التي تظهر عليهم في رمضان ودون مقدمات ، بينما الحقيقة أنهم يقضون النهار بأكمله نياماً ولولا رقم حلقة المسلسل ما كانوا يعرفون أي يوم من رمضان يصومون!!
تنتعش في أيام الصوم العظيمة ( المفروض ان تكون عظيمة ومقدسة )على موقع «الانستغرام» و«الفيسبوك» حسابات لا هم لها سوى استعراض مهارات صنع الطعام او تعليم الطهي وبيع الأطعمة وتوصيلها للمنازل، ينسى الناس صفحات بيع الملابس والحقائب المقلدة ومواقع الشعراء والعشاق وغيرها، يصير الضغط كله على صفحات وصور ووصفات الطعام، وكأنّ رمضان شهر إطعام (مع أنه شهر صيام ) أو كأن هؤلاء الناس كانوا يعانون مجاعة أو أن مجاعة ما في الطريق اليهم أو أنهم محرومين من الطعام طيلة العام؛ ولأن السوق يضبط بوصلته على مزاج وعقل الزبائن؛ لذلك فصنع وبيع الطعام ينتعشان فيه بشكل لا يحصل في أي يوم من أيام السنة؛ لأن مزاج الناس وعقولهم وقلوبهم تغوص في القدور وتحلق فوق أطباق الطعام وفي داخل المطاعم والمطابخ للأسف، وللأسف أيضاً فإن هذه الظاهرة تزداد تفاقما بدل أن تتراجع قليلاً مفسحة المجال للروحانيات والتأمل والقراءة أو الاهتمام بعلاج الجوع الحقيقي الذي يشكو منه الانسان المعاصر ، الجوع للانسانية والشعور بالاخر والخلاص من تحكم الشهوات !
الأكل لم يكن غاية إنسانية في أي لحظة من لحظات تاريخ وتطور الإنسان، لقد ظل على الدوام احتياجا ووسيلة للبقاء والتعبير عن الحياة الافضل ، والطعام تحديدا لا يمكنك ان تشعر بلذته ما لم تتشاركه مع الاخرين وما لم يستمتع به غيرك معك ، غيرك ليس زوجك او ابنك او صديقك فقط ، غيرك تحتمل اي انسان جائع تعلم بجوعه وحاجته ثم تغض الطرف عنه وتمضى ، مكتفيا بكتابة مواعظ فارغة على مواقع التواصل وكأنك تكفر عن خطيئة الشره التي تنحدر فيها يوما بعد يوم في رمضان !