محمد ناجي
الفاجعة التي نزلت على رأس المغاربة يوم أمس، والتي أودت بحياة أكثر من ثلاثين طفلا تعرضوا للموت احتراقا في حادثة سير بين ناقلتهم وشاحنة محملة بالوقود المهرب، فاجعة لم يسبق لها نظير.. لأنها كارثة غير عادية؛ زادت من تعرية المستور في المغرب..
إنها ليست حادثة سير عادية ، فالمغرب تعود على حوادث السير المميتة، ولكنها حادثة سير جنائية بمعنى الكلمة .
أولا فالشاحنة كانت تحمل مواد قابلة للاشتعال، ولولا ذلك لما تحرقت جثامين كل أولئك الضحايا عن آخرهم؛ لأنها لو كانت حادثة عادية، بين حافلتهم وشاحنة غير محملة بمواد قابلة للاشتعال، لما اشتعلت النيران في الحافلتين معا، ولجرح من جرح ، ونجا من نجا، وأصيب من أصيب ،، ولما كان عدد الموتى بهذا القدر الهائل.
ثانيا تلك الشاحنة التي صدمتهم كانت محملة بوقود مهرب من جنوب المغرب إلى شماله، ومعنى ذلك أن الضحايا هم قبل أن يكونوا ضحايا حادثة سير، هم ضحايا جريمة مرتكبة عن عمد وسبق إصرار ، فلو كانت هناك كفاءة لترصد الجريمة ومحاصرتها قبل أن تقع، لما كان لهذه الشاحنة أن تتحرك من مكانها، خارج القانون . ولذلك فهي جريمة تتحمل الدولة مسؤوليتها الكاملة في عدم تصديها لها، قبل وقوع الكارثة .
ثالثا هذه الشاحنة يقال بأنها انطلقت من مدينة العيون. ومن العيون إلى طانطان حيث وقعت الحادثة، مسافة تعد بمآت الكيلمترات ، تتخللها عدة مدن لابد من المرور عبرها، ؛ وهنا نكون أمام احتمالين، كليهما تتحمل فيهما الدولة مسؤوليتها الكاملة :
الاحتمال الأول : أن الشاحنة مرت بحاجز طرقي أو أكثر، سواء في الطريق الوطنية، أو داخل المدن التي مرت بها؛ دون أن يوقفها أي حاجز ويمنعها من مواصلة الطريق، ويرافقها إلى المحجز ، ويقدم سائقها للنيابة العامة لترى فيه رأيها. وما دام هذا لم يحدث، فالدولة تتحمل مسؤولية تقاعس رجال الدرك أو الجمارك، أو مفتشي وزارة النقل والطرقات عن القيام بمهامهم . أو أن الحاجز كان يوقفها، ثم يطلقها ، ويدخل يده في جيبه.
والاحتمال الثاني : أن الشاحنة مرت عبر كل تلك المدن الفاصلة بين العيون وطانطان ، دون أن تصادف أي حاجز طرقي لا في الطريق الوطنية، ولا داخل أي مدينة، وهذا إخلال كبير بشروط الأمن وحماية المواطنين، ودليل على أن مغربنا غير محمي أمنيا، بحيث يمكن أن يقطعه المجرمون والإرهابيون والمهربون من جنوبه إلى شماله دون أن يجدوا عائقا أو حاجزا في طريقهم .. وفي هذه الحالة فمسؤولية الدولة ثابتة وخطيرة جدا، لأنها تركت البلاد سائبة بدون حماية ولا مراقبة .
لا شك أن حادثة كهذه، تتحمل الدولة فيها المسؤولية الكاملة ؛ لو وقعت في دولة ديمقراطية؛ لقدمت الحكومة استقالتها، ولتابعتها النيابة العامة بدعوى جنائية لتعريضها أرواح مواطنين للخطر، الذي نتج عنه موتهم جميعا ، نتيجة إهمالها، أو تقاعسها، أو فساد رجالها من المكلفين بالمراقبة الطرقية .